حصريا

العمل الخيري في غززة . د.سليم عمري – الجزائر-

0 149

 

العمــل الخيري في غــــــزة

د- سليم عمري

العمل الخيري هو في جوهره تجلٍّ للتضامن العالمي. فهو يوحّد البشر على اختلاف مشاربهم لبناء مجتمعات أعدل وأكثر صلابة، سواء تجسّد في العطاء المباشر، أو في العمل التطوعي، أو في المبادرات الجماعية. وهو لا يقتصر على الإغاثة الفورية، بل يسهم في دعم نظم الرعاية الصحية والتعليم، وصون التراث الثقافي، وحماية الفئات الهشة، وكذا إدارة الأزمات الناتجة عن الحروب أو الكوارث الطبيعية، ولطبيعة الأزمات يحتل العمل الخيري المرتبة الأول في حل المشاكل وتضييق دائرة الأزمات، التي تعجز مختلف السبل إلى إيجاد الحلول المناسبة لها، حتى ولو كانت من أقوى الحكومات أو أغنى الدول، وما يحل في العالم هذه الأيام من كوارث دامية، صنعتها يد بشرية ظالمة فتكت بكل  مقومات الحياة الأمنة المطمئنة، ويتجسد ذلك في غزة وأهلها التي تكالبت عليها أيادي البطش من القريب والبعيد، خذلانا وعدوانا، فلا تكاد ترى مظاهر لحياة بشرية آمنة وسط أكوام من الركام وسيول من الدماء وأشلاء من الأجساد تصور لنا أرض غزة من خلال شوارعها المطموسة وبناياتها المدمرة طالتها غطرسة اليهود والأمريكان وأعوانهم من الظالمين .

مع كل هذا هرع العالم بأسره من مشارب مختلفة يمد يد العون لساكنة غزة في حرب لا تتوقف نيرانها صباح مساء، وظروف معادية لكل سبيل للمعونة أو الاسناد، حتى أصبحت العقول عاجزة لإيجاد ما يناسب من الحلول العاجلة، إلا ما كان على سبيل الانسانية والأعمال الخيرية الإغاثية التي تسعى جاهدة لخلق بيئة يحفظ فيها أرواح ما تبقى من أهل غزة بمختلف ما تقدمه من مساعدات فردية أو جماعية .

وتأتي هذه الورقة لتجيب عن تساؤلات تحيط بالعمل الخيري في غزة، من ناحية طبيعته ووسائله، والعراقيل التي تعيقه للوصل إلى غايته، فإلى أي مدى تتحقق غايات العمل الخيري والتطوعي في غزة في ظل حرب صهيونية أمريكية دائمة لا تتوقف.

أولا:  مفهــــوم العمـــــل الخيــــــري:

العمل الخيرى هو نشاط خيري يقوم به بعض الأفراد أو الجمعيات الخيرية بهدف تقديم سلع ما أو خدمات أو غير ذلك مما يحتاج إليه الناس في حيلتهم اليومية، وهذا العمل النبيل يكون بدون مقابل كونه عمل لا يهدف لجني ربح أو عائد أو مصلحة شخصية من وراءه، وهذا أهم ما تميز به العمل الخيرى عن غيره من الأعمال الأخرى ذات الصفة التجارية الربحية البحتة.

مفهوم العمل الخيري بنظرة سياسية:

طبيعة العمل الخيري في ظل سيف الحرب يأخذ مقصدا آخر غير  مقصده الأصلي،  ففي غزة هو مجال واسع يصطبغ بلون مغاير على ما عليه الامر في باقي مناطق العالم، فإن أحداث غزة أثبتت أن “الجبهة الإنسانية”  أو العمل الخيري لم يعد مجرد نظرية، بل هو واقع يومي يُقتل فيه عامل الإغاثة، ويُستخدم فيه رغيف الخبز كأداة حرب، وتُطمس فيه الحدود بين يد العون ويد القوة القاهرة.

العمل الخيري أصبح مفهومه وتعريفه مغايرا مع التحول العالمي الآني، فسياسة الحصار الخانق، والتحكم الصارم في المعابر، إذ تحولت المساعدات من حق إنساني أساسي إلى أداة ضغط عسكري، يتم منحها أو منعها بما يخدم أهداف الحرب، لقد حولت الحرب على غزة منذ أواخر 2023 مفهوم “الجبهة الإنسانية الأمامية” من إطار نظري إلى حقيقة دامية لا يمكن إنكارها. لقد أصبحت غزة المختبر الأكثر وحشية الذي تتجسد فيه كل مخاطر تسييس المساعدات، حيث تحول العمل الإنساني إلى جزء من ساحة المعركة نفسها[1].

ثانيا: الجهات الفاعلة في العمل الخيري في غزة

 1-المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة:

يُعد عمل المنظمات الإنسانية – بما فيها المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة – بالغ الأهمية لحماية المدنيين في أوقات الحرب. تُعدّ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تأسست عام 1949م، جهةً رئيسةً في تقديم المساعدات في غزة. يُقدّم موظفوها مساعداتٍ في مجالات التعليم والرعاية الصحية والتمويل الأصغر والمأوى. بالإضافة إلى ذلك، تُراقب 15 وكالةً أخرى تابعةً للأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في غزة وتعمل على علاجها[2].

تلعب المنظمات غير الحكومية أيضًا دورًا محوريًا في غزة. على سبيل المثال، قدّم “المطبخ المركزي العالمي” أكثر من 41 مليون وجبة للمدنيين بين تشرين أول 2023م وآذار 2024م، وقدّمت منظمة “أنقذوا الأطفال” حوالي 8 ملايين دولار كمساعدات نقدية للأسر المحتاجة، بينما تُقدّم منظمة “أطباء بلا حدود” الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك الجراحة ورعاية الأمومة ودعم الصحة النفسية. في بداية الحرب على غزّة كانت برامج توزيع المياه التي تُقدّمها الأونروا مُنقذةً للحياة في منطقةٍ تُعاني من شحّ المياه النظيفة.

2-المؤسسات الخيرية المحلية والدولية:

وهي منظمات مختلفة الاختصاص ولا تقتصر على دولة أو توجه ديني أو سياسي،  مثل الهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعية البركة الجزائرية[3]، وجمعيات مثل أخرى مثل مؤسسة الخير، ومؤسسات إماراتية وقطرية وغيرها تقدم الدعم المالي والإنساني وتشارك في تمويل مشاريع متنوعة على مستوى قطاع غزة.

3-المبادرات الفردية والنشطاء المحليون:

يقوم أفراد وناشطون محليون بجهود فردية كبيرة لتغطية الاحتياجات العاجلة وتنسيق جهود الإغاثة، غالباً ما يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لجمع الدعم والتبرعات.

وتتنوع هذه المساعدات فتشمل جميع المجالات، كالمساعدات الإنسانية والتي تتمثل في  توزيع الأغذية الأساسية، والمأوى، والاحتياجات اليومية للسكان المتضررين، وكذا الخدمات الصحية كتوفير الدعم للمستشفيات والعيادات، وتوزيع الأدوية والمستلزمات الطبية، و الدعم التعليمي مثل تمويل المدارس، وتوفير الكتب الدراسية والمستلزمات التعليمية للأطفال.

ثالثا: تحديات العمل الخيري في غزة

-1 الحصار وإغلاق المعابر:

مع بدء حرب الإبادة ضد غزة في أكتوبر2023، أعاد الاحتلال سياسة الحصار، لكن هذه المرّة بشكل أشد وأقسى، حيث أُغلقت المعابر بشكل تام، بما فيها معبر رفح، ومُنع إدخال أي شاحنة مساعدات، وأُغلق البحر والجو، وقُطعت الكهرباء والمياه.

ومنذ قرابة عامين، يُفرض الحصار بشكل مستمر، ويُخفف أحيانًا بإدخال كميات محدودة من المساعدات لامتصاص الضغط الدولي المتواضع، في ظل بقاء سياسة الإغلاق والحصار نهجًا معلنًا للاحتلال، ولقد تجلى استخدام الغذاء كسلاح حرب بأوضح صوره عبر سياسة الحصار الخانق، والتحكم الصارم في المعابر، إذ تحولت المساعدات من حق إنساني أساسي إلى أداة ضغط عسكري، يتم منحها أو منعها بما يخدم أهداف الحرب[4].

-2 استهداف عمال الإغاثة:

يتعرض العاملون في المجال الإنساني للاستهداف المباشر من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مما يعيق عملية تقديم المساعدات،  ولقد أكد ولاء بارود[5]، أن العمل الإنساني لم يتوقف يومًا واحدًا في غزة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يستهدف العاملين في هذا المجال منذ بدء الحرب. وفي تصريح خاص لوكالة شهاب للأنباء، أوضح بارود أن استهداف الاحتلال للعاملين في المجال الإنساني يمثل تحديًا كبيرًا خلال هذه الحرب .

3- خطر المعلومات المضللة:

حاول الاحتلال أن يظهر توزيع المساعدات وكأنه يتماشى مع القانون الدولي، فأسس كيانًا جديدًا بعد تشويه صورة المؤسسات الأممية والخيرية واتهامها زورًا.

وتحذر الجهات الرسمية في غزة من التعامل مع جهات مجهولة تدعي العمل في المجال الخيري، حيث قد يكون ذلك وسيلة لجمع المعلومات لصالح الاحتلال الإسرائيلي،  مؤخرًا، أعلن الاحتلال عن إنشاء “مؤسسة غزة الإنسانية” (Gaza Humanitarian Foundation) في 2025، وهي كيان خاص أُسّس بالتنسيق مع شخصيات أمنية أميركية، وبرعاية غير مباشرة من إدارة دونالد ترامب، وبدعم من شركات أمنية خاصة. وُكِلت إليها مهمة توزيع المساعدات خلال الحرب[6].

4-الفوضى وعدم التنسيق:

يواجه بعض العمل الخيري فوضى في التنسيق، خاصة في غياب مرجعية موحدة، مما يضعف أثر المبادرات ويصعب عملية الوصول إلى المحتاجين، وغياب القيادة الرشيدة في ظل استهداف إسرائيل لكل ما يمثل رأسا لتجمع معين، أدى غياب سياسة ونظام توزيعي للمساعدات. فساد الفساد وطغت العشوائية في الاستفادة من الاعانات، وحرم الكثير منها، وبالأخص من هم على حالة العجز.

خاتمة:

العمل الخيري الإنساني له دور كبير في إسناد وتمكين الناس في قطاع غزة، ويجب أن يتكامل الدور المؤسّسي مع الجهود التطوعية والفردية؛ لتعزيز قدرة الوصول للجميع، وعدم الانقطاع في تقديم الخدمات بانتهاء الحرب فجراح غزة غائرة وكسرها لا يجبر بحين دون حين، فالكل معني بواجب الإغاثة لأبناء أمة المصطفى r وسكني أرض الرباط، ويجب أن يكون هناك تنسيق بين المؤسّسات ، فواقع ما بعد السابع من أكتوبر، ليس كما قبله، وهذه بعض الاقتراحات في حقل العمل الخيري الموجه لغزة:

  • التبرع المالي لمنظمات موثوقة، بالحث عن منظمات لها سجل عمل ثابت وشفافية، وتأكد أن التبرعات تصل للمستفيدين دون تكلفة ضخمة أو تضاعف الرسوم.
  • التبرعات العينية: مثل الملابس، الغذاء، الأدوية – إذا كانت هناك جهات لديها القدرة على إيصالها. يُفضل التنسيق مع منظمات محلية لتجنّب المشاكل اللوجستية.
  • كفالات الأيتام : كثير من المنظمات تقدم برامج كفالة شهرية أو دعم مباشر.
  • العمل التطوعي أو دعم الحملات الإعلامية ونشر الوعي زجمع التبرعات، تشجيع الآخرين على المساعدة، أو التطوع في المشاريع التي تُدار محلياً إن كان هناك ذلك ممكنًا.
  • الشراكات مع الجهات الحكومية أو المجتمعية: مثل وزارة التنمية الاجتماعية في فلسطين التي تعمل على استراتيجية للعمل الخيري.

اللهم صل وسلم على سيد الخلق محمد.

[1] مدونة عبد الله النعمة، غزة 2024: التجسيد الدامي لـ “الجبهة الإنسانية الأمامية”.

[2] د. محمد حمزة، موقع البوصلة، 20/03/2025.

[3] تصنف “جمعية البركة الجزائرية للعمل الخيري و الإنساني” على لوائح الإرهاب الأمريكية، التصنيف شمل كذلك تنظيم “جند الخلافة في الجزائر” و كذا رئيس جمعية البركة أحمد ابراهيمي بسبب “ارتباطه بحركة “حماس” الفلسطينية.” ، وزارة الخزانة الأميركية أضافت الجمعية الجزائرية إلى القائمة يوم الثلاثاء 10 جوان 2025 بسبب “ارتباطها بمنظمة “حماس” الفلسطينية.” بسب ما ذكره الموقع الإلكتروني للوزارة على الانترنت.

[4] مدونة عبد الله النعمة، العمل الخيري في مناطق النزاع: عبور “الجبهة الإنسانية” نحو أفق جديد، 9/6/2025.

[5] مدير فريق “ملهم” التطوعي شمال قطاع غزة

[6] تقرير المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

You cannot copy content of this page