حصريا

الكلمة الإفتتاحية : التكريم بالعبادة ورمضان يجمعنا – د. حجيبة أحمد شيدخ – الجزائر –

0 520

التكريم بالعبادات “رمضان يجمعنا”

العبادات في الإسلام من أهم  مقاصد الوجود الإنساني  ، وفيها تتجلى مظاهر التكريم الإلهي للإنسان ، عبر الله -عزو جل- عن العبادة ، بالأمانة  في قوله تعالى : ” إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا “( الأحزاب : 72 ) ، وهي مجموع التكاليف التي أمر الإنسان بأدائها ، وذلك لأنها تشترك مع الأمانة  المادية ” الوديعة ” في معان كثيرة، في الأمانة يتحقق  الاختيار ، والإيداع ،و الجهاد، والجزاء ….وهذه كلها تجليات للكرامة الإنسانية ، بدء من الاختيار ” فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ” وهذا الرفض تعبير عن عدم امتياز السماوات والأرض بما تميز به الإنسان من قدرات تجعله أهلا لأداء الأمانة ، ومن إيداع ، ينضبط بأزمنة معينة وصفات محددة ، فالصيام مثلا له أوقات وله صفات يجب على الصائم أن ينضبط بها فإذا أخل بها لم يكن له من الصوم إلا الجوع والعطش ، فيها جهاد للنفس يخرج منها الإنسان وهو على يقين أنه مسلم مؤمن ، منتصرا على ضعفه بكل أشكاله ، ففيها تثبيت للنفس على الإيمان ، ويتحقق فيها الجزاء ، والجزاء فيه تزكية لروح الإنسان ، إن إرجاعك للأمانة مكتملة دون اعتداء من موجبات الشكر والثناء ، فإذا كانت هذه الأمانة أمانة الله، فما أعظم جزاءه –عزوجل : “وللصائم فرحتان ، فرحة حين يفطر ، وفرحة حين يلقى الله ” ( متفق عليه)، فيها الجزاء بالخلود في الجنة ،ومن أفضل نعم الله عز وجل على الإنسان البشارة بالخلود في الجنة ، لأنها تختصر مسيرتك في جميع العلاقات ، مع الله مع نفسك مع الدنيا ، إن الطمع في الخلود ، فطري في الإنسان ، فهو يحب الثناء لأنه يشيع ذكره بين الناس ، ويحب الأولاد لأنه يرى فيهم امتدادا لوجوده ، وحتى عند العامة انتشر مفهوم ” الذي خلّف ما مات ” ، ويحب ترك الأثار ، كالكتب والأعمال الخيرية ، لأنها هي التي لا تقطع صلته بالوجود ، لقد أكرم الله سبحانه الإنسان بما يتفق مع فطرته ويرفع من قيمته : الخلود في الجنة  …

والصيام عبادة جماعية ، تتجلى فيها وحدة الأمة الإسلامية ، في العالم كله ، كلهم يقبلون على أدائها في الشهر نفسه بالطريقة نفسها ، تلتقي الأرواح في وحدة الوسيلة والغاية برغم الاختلافات والظروف ، في المجتمع الواحد، لرمضان طعم خاص ، يشعر فيه كل المسلمين بالمساواة أمام الله في صفة أدائه ، وليتهم يشعرون بالفروق المادية في جو الغلاء الذي يسيطر على العالم ، ليت الوحدة التي حققها لنا الصيام في الوجهة ، تكون لها تجليات واقعية ، فلا يتألم فقير ، ولا يبكي جائع ،فتكون فرصة لإحياء روح التكافل والتضامن : مقاصد العبادات الجماعية .

في رمضان برغم آلام الحياة ، يشعر المسلمون بوحدتهم ، تنعش إيمانهم صلاة التراويح ، التي يقبل عليها حتى الذين لا ينضبطون بالصلاة سائر الأيام ، فتكون فرصة لتجديد الإيمان ،  لرمضان أجواء خاصة ، هو مدرسة التقوى في الدنيا والآخرة : ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” ( البقرة :183) أحاطه الله عزوجل بالترغيب برضا الله وثوابه لتخفيف مشقته على من يرى فيه مشقة ، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ”  في الجنة بابًا يقال له: الرَّيَّان، يدخُلُ منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخُلُ منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم، فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخل منه أحدٌ ” إن الصيام وجاء وجُنَّة تقود إلى الجنة ، لم يستثقله المسلمون الأوائل الذين كانوا يعيشون في الصحاري ، فحققوا أكبر الانتصارات أيام رمضان  لأنهم فتحوا أنفسهم بحب الله قبل أن ينطلقوا إلى فتح العالم، لنتعلم أن الصيام مدرسة للتقوى ، مدرسة لجهاد النفس ، مدرسة لتحقيق الانتصارات، لا فترة للكسل والفشل واستعراض الموائد المزينة بمختلف الأطعمة  .

رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

You cannot copy content of this page