اللقاءات الأسرية
دفءٌ وتحدٍّ.
سعيدة بو طاهر المغرب
تعتبر اللقاءات الأسرية أو العائلية فسحة حقيقية في المشاعر الإنسانية ، وفرصة لتجسيد المعاني الكبرى لصلة الرحم ،تخرجها من ضيق النفس والوقت والحرج إلى رحابة الأفق الجميل في العلاقات الإنسانية .
والحاجة إلى التجمعات العائلية أو “اللمة ” ،حاجة غدت ملحة أكثر مما مضى ، خاصة في ظل التحولات والتغيرات البنيوية والفلسفية التي مست الأسرة والمجتمع بسبب العولمة والنظام الاقتصادي العالمي والسياسي والثقافي ، الشيء الذي أفرز أنماطا جديدة تميل إلى الاستقلالية والفردانية .
ورغم كل ما اعترى البناء الأسري من تصدعات ،لأسباب موضوعية أو مبيتة تحاول معاول الهدم الثقافية وغيرها تقديم نموذج سخيف للناس أو مبخسة من شـأن مفهوم الأسرة ومن الحاجة إلى الفطرية إلى التساكن والتراحم .
وفي المقابل فقد خرجت إلى الوجود مبادرات مجتمعية من قلب جمعيات المجتمع المدني ، تعزز مكانة الأمومة وتؤهل الفتيات المقبلات على الزواج ،وتثمن المبادرات الرامية إلى الانتصار على الأنا والفردانية فتوثق ملتقياتها وتجمعاتها في الأعياد والمناسبات حريصة كل الحرص على دفء العلاقة الحانية المشبعة بالرضا والحب والمباركة من قبل الأجداد و الجدات والأمهات والآباء وكل أفراد العائلة .
وأيا كان هذا المد والجزر بين النزعة الفردية والجماعية ، فإن حاجتنا اليوم الى ترويض المشاعر تجاه الجماعة – وإن كانت في الأصل فطرية – فإنها تحتاج إلى الصقل من جديد والتدريب عليها بل إحيائها«مَنْ أحْيا سُنَّةً من سُنَّتِي قدْ أُمِيتَتْ بَعدِي فإنَّ لهُ من الأجرِ مِثلَ مَنْ عَمِلَ بِها من غَيرِ أنْ يَنْقُصَ من أُجُورِهِمْ شيءٌ ومَنِ ابْتدَعَ بِدعةً ضَلالَةً لا يَرْضَاها اللهُ ورسولُهُ كان عليه مِثلُ آثامِ مَن عَمِلَ بِها لا يُنقِصُ ذلِك من أوزارِ الناسِ شيئًا»رواه الإمام الترمذي .
ولأن القيم الجماعية من صلب رسالة الإسلام، فقد زكى الأشكال الجماعية في الفروض والطاعات كالصلاة والحج مثلا وفي الآداب الإسلامية كآداب الضيافة والمجالسة والمخالطة ، وجعلها مفتاحا للتعبد الجماعي الذي تزكو فيه النفس وترتقي ، فما بالنا بالعلاقات الإنسانية داخل الأسر والعائلات بكل أنواعها ، أليست من صميم التعبد والتقرب بها إلى الله ؟
فكيف يتم تدبير المشاعر الجماعية لتبقى الأسر قوية ؟والعلاقات الاجتماعية متماسكة ؟وكيف يتحقق الوصال الروحي والأمني لكل أفراد العوائل .؟؟ وماهي شروط إنجاحها؟
- اللقاء الأسري مفتاح السعادة: اللقاء الأسري أو العائلي اجتماع تهم الأفراد القائدة المتمتعة بالكاريزما ، باقتراحه على فترة من الزمن شهريا أو دوريا لغاية التواصل والصلة والتزاوروالتراحم.
وهو لقاء يضم الكبار من الأجداد والأعمام والأخوال والزوجات والصغار من أحفاد وحفيدات ،وقد يستقبل التجمع ضيوفا شرفيين لغاية نبيلة .
ويتم التدبير المالي بشكل جماعي ،بواسطة مساهمة مالية تقدر فيها المصلحة العامة وتراعى فيها نفسية العاجز عن هذه المساهمة تحقيقا للمقصد الكبير صلة الأرحام.
و تمثل اللقاءات الأسرية أو العائلية فرصا حقيقية لتجديد العهد بين الأفراد صغيرها وكبيرها تساهم في تمتين الروابط الاجتماعية والنفسية وليس هذا فحسب بل تتقوى صلة الأرحام ،عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّحمُ معلَّقةٌ بالعرش تقولُ: مَن وصلني وصله اللهُ، ومَن قطعني قطعه اللهُ)رواه مسلم،فتتماسك عرى الأسر وتتعزز بالعمومة والخؤولة حتى إن الخير والفضل يعم الأفراد،يقول ابن القيم رحمه الله: “إن القوم ليتواصلون … فتكثر أموالهم ويكثر عددهم، وإن القوم ليتقاطعون فتقل أموالهم ويقل عددهم”.
وقد يعزف البعض عن هذه اللقاءات بحجة من الحجج الواهية فيتخلف عن الموعد ،فيحرم نفسه أجرا عظيما وإلى هؤلاء يمكن أن نهمس لهم أنه قد يظن البعض أن اجتماع العائلة في هذه اللقاءات منزه عن الأخطاء ،والحقيقة غير ذلك فالخطأ من صميم البشرية يتحلى فيها البعض بالصبرعلى المكاره أو الأذى وفي ذلك قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم” حديث صحيح – رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.
فالصبر وخفض الجناح وكتم الغيظ إذن من شأنها أن تزيد اللحمة قوة وتماسكا ، يأخذ كل واحد منها نصيبا من الرحمة والمغفرة .
أي أجواء هذه التي تتغلب فيها الأنا الجماعية على الأنا الفردية ؟وأي معان هاته التي يمكن للفرد أن ينعم في ظلها ؟ ويأبى أن يحرم نفسه منها.
نعم يصبح التودد للأحباب ودا لا نفاقا والنزول عند رأي الأحباب تواضعا لا انكسارا أو مذلة .
- اللقاءات العائلية : ذاكرة وهوية
إن توثيق التجمعات الأسرية من شأنها أن تصبح مرجعا اجتماعيا في ترسيخ هذه الثقافة الهادفة ،تترسخ في ذاكرة الأبناء وتورث جيلا بعد جيل وتصبح نافذة مجتمعية نطل من خلالها على النجاحات الفردية والجماعية الخاصة بهذا التجمع ، ولم لا تصبح علامة فارقة في الجسد البشري بهوية محلية .
- اللقاءات العائلية : حصن منيع ضد الغربة : تتخذ الغربة صورا متعددة تكفينا صورة واحدة لهذا الاغتراب عن الواقع بفعل الهواتف ،وكلما حوصرت بدفء اللقاءات خفتت الفردية، وتحقق التعارف بين الأفراد وسرى الدفء ودبت الحرارة الأخوية ،ولنا في صورة البطاريق خير مثال فهي تشكل تجمعات مع بعضها البعض لمشاركة الدفء والحفاظ على طاقتها في حرارة درجتها أقل من 35 لتصبح بفعل التلاحم والتجمع 37 درجة .
- اللقاءات العائلية : استثمار في القيم والمشاعر والإنجازات : إن الاستثمار في الرأسمال البشري وفي القيم تحد حقيقي نعيشه اليوم في مجتمعات متخلفة، فكيف يمكن ذلك ؟ كل الأسر غنية بطاقات أبنائها وفي هذه اللقاءات تكتشف مواهب الأبناء وتوثق العرى وتخرج مشاريع وإنجازات إلى الوجود بفضل هذه اللقاءات ،ويكون بذلك هذا التجمع فرصة ذهبية لصقلها وتحيينها والاستثمار فيها.
- توصيات لإنجاح الاجتماعات الأسرية:
- الاتفاق حول موعد اللقاء مع اعتماد المرونة
- الاتفاق على الشخصية الجامعة في العائلة مسيرة وحاضنة للفكرة
- إعداد مقترح برنامج اللقاء وعرضه على الأفراد لتعديله أو تقديم اقتراحات إضافية
- إشراك الفئات العمرية في التنشيط وتوظيف الوسائل التقنية الحديثة في البرنامج
- التركيز على المشترك النفسي والعاطفي الذي يمدد عمر المشاعر الجماعية ويخلق من الحب والتعاون والاحترام بين جميع الأطراف
- التدبير الزمني المحكم مع احترام وجبة الطعام المشتركة
- التنويع في الأنشطة واستهداف كل الفئات الحاضرة في جو من المرح والفرح
- تعزيز الأعمال والأفعال والصفات التي اتسم بها البعض أو قام بها من أجل العبرة والاستفادة
- تجميع الإنتاجات والمساهمات ووضعها في بنك العائلة
- توزيع شواهد تقديرية وميداليات للمتمزين بقيمهم في المحفل الأسري والساهرين على إنجاحه
- الاستثمار في الأفكار التي تم تداولها والاهتمام بكل العناصر كالتفكير في مكافآت مالية .
وفي الختام نخلص إلى مايلي:
- إن هذا النوع من المحطات التواصلية في إطار الجماعة ،بطرق متجددة قادر على احتواء المشاعر الجماعية وإنعاشها لأنها في حقيقة الأمر غذاء الروح الجماعية التي تمثل صمام أمان في الحياة .
- إن هذا النوع من العلاقات الاجتماعية يفوق بكثير صور الصداقات والعلاقات القائمة على المصلحة بل إنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالبرور وصنف من بر الوالدين والتقصير فيها عقوق.”فمن وصل رحمه فقد عمر دنياه ” .