حديث بلا مرافئ . مع زنوبيا “زينب عبد العزيز ورحلة الخلود”
امرأة جميلة بكل معاني الجمال روحا وعقلا، حين أحدثها أشعر أنني طفلة صغيرة تسمع إلى فيلسوفة من زمن آخر، لكن فلسفتها لا تتعالى عني بل تحضنني وتخترق عقلي ومشاعري ، أجدني أستمع إلى كلماتها باهتمام كبير، أشعر أنها تغرس في شيئا من حكمتها التي بدأت أخذها في سن مبكرة، فهي عاشت مرحلة طفولة قصيرة، استمتعت بقسط من جمال الصغر ، ولكنها بسرعة انتقلت إلى عالم الكبار، كبارالفنانين و العلماء الناقدين…هي امرأة لكنها ليست كسائر النساء، امرأة بأمومة حانية، عاشت الأمومة في سن مبكرة، و وزوجة محبة لزوج عظيم تقول عنه: إنه البحر في علمه والعملاق في عطائه، ذلك زوجها عالم الآثار الأستاذ: لطفي الطنبولي …
امرأة غير عادية، لأنه لا مجال في حياتها للترفيه والتسوق والقراءات غير المنهجية، حياتها كلها لعملها وأبحاثها، فأنتجت أعمالا كثيرة توحي بالثراء والتميز وإدراك المعاني الصحيحة للحياة، ألفت كتبا كثيرة منها: موقف الغرب من الإسلام محاصرة وإبادة ، وتنصير العالم، وهدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة: الحداثة و الأصولية، والفاتيكان والإسلام، و من حائط البراق إلى جدار العار، والإلحاد وأسبابه الصفحة السوداء للكنيسة، وحرب صليبية بكل المقاييس، وتيسير متن أبي شجاع، وترجمات القرآن الكريم إلى أين، ووجهان لجاك بيرك، وجذور كراهية عتيدة: الفاتيكان والقرآن، والنزعة الإنسانية عند فان جوخ ،كتاب مائتا عام على: حملة المنافقين الفرنسيس، والقرآن الكريم وترجمة معانيه إلى الفرنسية، وقصتي مع الفن، ومن أهم كتبها : ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية وهي أول ترجمة كاملة لمعاني القرآن الكريم من العربية إلى الفرنسية …
وحين نتحدث عن مقالاتها فهي غزيرة ومتنوعة كتبت 750مقالة بالعربية، و350 بالفرنسية، حين تتصفحها تتعجب من طاقة هذه المرأة المميزة، كيف اصطفاها الله – عزوجل – لتكون حصنا منيعا ضد التنصير والانحرافات العقدية، تتابع الأحداث بعقل ناقد محلل، بذكاء تناقشها، فلا تغيب عن اهتمامها قضايا الأمة حتى في أصعب حالاتها الصحية …
زينب عبد العزيز، الطفلة التي اختارها الوالد دونا عن إخوتها لتزاول دراستها باللغة الفرنسية، فتتعلمها لتصبح كأنها لغتها الأم، وتتخصص في دراستها في الحضارة الفرنسية، تحصلت على الباكالوريا من المنزل فتتفوق وتكون من العشرة الأوائل حينها، لتلتحق فيما بعد إلى الدراسات العليا: الماجستير والدكتوراه، فدرست في تخصص الحضارة : الدين والأدب والفن والتاريخ .. وكانت في جميع مراحل تعليمها من الأوائل ثم أصبحت أغلب بحوثها في مواجهة الفاتيكان وطرقه الخبيثة في التنصير، وحين سألتها عن سر ذلك قالت : حين كنت في بداية دراستي، أدخلوني إلى مدرسة للراهبات و كنا نتعلم بالفرنسية، ولكن القائمين عليها لم يكونوا أمناء، فكانوا يغرسون فينا الدين المسيحي، ويأخذوننا كل أسبوع للكنيسة و كانوا يقولون لنا : أهلكم لأنهم لايجيدون إلا العربية، فإنهم لايعرفون العبادة الصحيحة، فعليكم أن تعبدوا الرب عبادة صحيحة، وذلك يكون بالانفراد، فاغلقوا على أنفسكم واعبدوا، فأعطونا المسبحة والصليب، وصورا لأشكال مختلفة جذابة، فكنت أغلق على نفسي الباب وأمارس تلك العبادة، إلى أن حدث أن احتاجت جدتي لأمي بعض الأغراض، فاقتحمت علي الغرفة، وأنا أمارس تلك العبادة، فصرخت وقالت لي : أنت مسلمة وهذه ديانة مسيحية، وطبعا أنا ما كنت أدرك معنى ذلك، فأخبرت جدتي أخي محمد وذهب بي إلى المدرسة، فكلم المديرة، وقال لها : أنتم لستم أمناء، وسأشكوكم إلى الأمن، تركت المدرسة يومها قائلة للمديرة : أنا آسفة كلكم كذابون، وانتقلت إلى الليسي الفرنسي، بقيت تلك الحادثة راسخة في ذهني، وكان لها تأثير كبير على توجهي هذه الوجهة …
قلت: حدثيني عن أسرتك، فقالت: جدتي لأمي من أصول تركية ووالدي مصري، كنا خمسة أبناء، ولدان وثلاث بنات، أختي الكبرى التي كانت تصلني بحياتي في الطفولة، وكنت أسألها عن والدي كثيرا، توفاها الله في كرونا، وأنا أصغر إخوتي، توفوا كلهم رحمهم الله، كان والدي يناديني الحبوبة وحبيبة ربنا وأحيانا: البرنسيسة، كان بيتنا ينعم بالهدوء الدائم، لا تسمع فيه أي شئ من الصراخ أو الشتيمة، بيت علم ودين، فوالدي كان يتقن ثلاث لغات: الفرنسية و الإنجليزية والإيطالية، وكان مسؤولا بشركة إيطالية، كان يحضّر قاموسا ويطلعني على كراسته التي يكتب فيها،بيتنا بيت دين، ومن كثرة الكلام عن الله، كنت أشعر وأنا طفلة أن الله يعيش معنا ولكننا لانراه وكانت من التقاليد في أسرنا حينها أنهم يعلّقون المصحف في كيس زي الظرف، على الحائط أعلى من الرأس قليلا، وإذا قرأ واحد منا القرآن وتركه في مكان أوطى من رأسه يغضب منه …طبعا هذا تعبير عن قدسية كلام الله، ومنزلته في البيت … كان بيتنا بيت إسلامي، أذكر أنه كان يأتينا كل أسبوع شيخ أزهري بعد صلاة الجمعة اسمه: حسن السماك، ولا تزال عائلته موجودة في الاسكندرية، يجلس إليه والدي ويسأله في الدين، وكنت أحضر تلك المجالس، ومما أذكره أنني في سن السابعة، لما أتانا قلت له : عم حسن أنا حلمت حلما، فقال لي : ماهو ؟
فقلت له: رأيت ثعبانا ممتدا بعرض السرير كله جواهر ، فقال لي : أنت عليك حماية ملكية من ربنا، وطبعا ما كنت أفهم حينها هذا الكلام، كما أذكر أن والدي كان يستشير المشايخ في بعض قراراته، فبعد الحرب العالمية الثانية، كان والدي يشتغل في شركة إيطالية، وكانت الاسكندرية حينها تمر بظروف صعبة، فطلب الانتقال إلى القاهرة، وهناك كان أصحاب الشركة يريدون غلقها، وطلبوا منه الذهاب إلى العيش في إيطاليا، فلم يقرر وذهب إلى شيخ اسمه: البغدادي وأخذني معه، كان يريد استشارته في الذهاب، فنصحه بعدم السفر، وقربني الشيخ منه ووضع يديه على كتفي، وبدأ يقرأ القرآن ، وقال له: هذه حبيبة ربنا لن يعترض طريقها أحد، ما تطلبه اعملوه لها، تلك المواقف أعطتني الأمان والشعور أنني في حماية دائمة هي حماية الله .
من المواقف التي أذكرها أنني كنت مغامرة وأحب المساعدة، وفي يوم من الأيام كان أخي حسين الأكبر مني بثلاث سنوات، في حاجة إلى ورق التوت وكان يريد تربية الدود الحريري وهو يتغذى على ورق التوت “كانت هواية عنده” ، وكان البيت الذي بجوار بيتنا لديه شجرة التوت، لكن كان علي أن أقفز من فوق سطوح بيتنا لأصل إلى سطوح الجيران ، وكانوا غائبين، وأحضر له الورق، وفعلتها، لكن حين عودتي وجدت جدتي عند الباب وكانت ثيابي ملطخة بالجير، فغضبت وعاتبتني لكنها لم تصرخ ولم تضرب، وقالت : سأشتكيك للوالد، فقال لي: كيف تفعلين ذلك، لو تكسرت ماذا كنت سأفعل؟ فقلت له : كنت ستتأثر كثيرا ولكنني لم أرتكب خطأ، كنت أريد المساعدة فقط …بيتنا كان بيتا هادئا حتى في الظروف الصعبة، ووالدي غرس في الشجاعة، كان يقول لي : قولي ما تشائين ولا تخافي من أحد، فتربيت على الثقة وعدم الخوف إلا من الله، وبرغم رحيله المبكر إذ توفاه الله وعمري 10سنوات غرس في قيما جليلة ورسم لي الطريق الذي أسلكه في حياتي …كانت صدمة رحيله كبيرة بعده أكملت مسيرة الرسم، وقد كان في حياته يوجهني في كيفية ممارسة الرسم، وكان آخر يوم من حياته ، يوم امتحان الرسم في المدرسة ، وآخر ما قاله لي قبل الخروج من البيت إلى الامتحان : انظري جيدا ثم ارسمي .
أستاذة زينب كان الوالد الرجل الأول الذي رسم لك الطريق فحدثيني عن الرجل الثاني؟
حين تتكلم عنه تشعرك أنه رجل مثالي، رجل ارتبطت به في سن مبكرة من حياتها، كان عمرها أربع عشرة سنة، كانت الأسرة إذا وصلت البنت سن البلوغ، ألزمتها البقاء في البيت، تقول : قالت لي جدتي لن تذهبي مرة أخرى إلى المدرسة، ووقع الأمر علي كالصاعقة، فخرجت من البيت لوحدي لأول مرة ، وذهبت إلى مقر الرسم الذي كان يرسم فيه لطفي الطنبولي لوحاته الفنية، وكان صديقا لأخي محمد، فأخبرته بما حدث، فرجع بي إلى البيت ، ليكلم جدتي، فقالت له : احنا ما عندناش بنات تذهب إلى المدارس بعد البلوغ، فحاول إقناعها لكنها أصرّت على موقفها، وهنا أخبرها بأنه كان ينوي التقدم لخطبتي حين أبلغ سن السادسة عشر من عمري ، فقالت له ، يمكنك الزواج منها الآن، وكان زواجي منه في سن الرابع عشر ة من عمري ، وأكملت: كان إنسانا مميزا لم يحدث أن وقع شجار بيننا، في بداية حياتي الزوجية تفرغت لتربية ابني لخمس سنوات، الحياة الزوجية تكامل ولا تبنى على الندية، إن الذي يضمن استمرار ها الاحترام وعدم التصارع، كل النجاحات التي حققتها في حياتي الفنية والعلمية، كانت في بيت زوجي وبمساعدته .
حين تتحدث عنه تشعرك بحب كبير، إنه العملاق البحر، عملاق في عقليته وأخلاقه وبحر في عطائه …كانت تكمله ويكملها، يعملان في تناغم وتعاون دائم، تقول: حين كان يبحث عن آثار مقبرة نفرتاري :وجد كتابا باللغة الإيطالية عن ذلك، فاتقنتها من أجل ترجمته له، وكان هو زوجا معلما ومساعدا حتى في الأمور البسيطة، أما الرسم فقد كان له دور كبير في الأخذ بيدي إلى الإبداع وكانت لنا معارض كثيرة مشتركة، أنجزنا مع بعضنا معرضين وانجزت لوحدي واحدا وخمسين معرض آخرها معرض : من وحي القرآن، قلت لها : من المؤكد أنك كنت متشبعة بالمعني القرآنية ، وإلا ما كنت لتنجزي هذا المعرض الرائع ، فقالت : وأنا أقرأ القرآن لا أفهم المعنى لكنني أنفذ إلى الموضوع ، لدي الذاكرة الفنية العالية ، أي كلمة أتصورها والجانب الفني في القرآن الكريم شديد الوضوح ، المناظر بالنسبة لي كانت واضحة ، فجسدتها في رسوماتي ، وقد كان المعرض ناجحا ، ولقي قبولا كبيرا .
الوقت في حياة الأستاذة : أبهرتني بحديثها عن استغلالها لوقتها، لقد كانت تقرأ لمدة خمس عشرة ساعة يوميا، تأخذ باقي الوقت لشيء من الراحة والقيام بشؤون بيتها التي لاتستطيع الخادمة القيام بها بدلا عنها، تقول : لو لم أعمل بهذه الطريقة لما استطعت أن أحقق إنجازاتي، لا وقت للزيارات، لا وقت للانشغالات الجانبية، حياتي كلها للعمل بالجامعة وأبحاثي العلمية والفنية، أنا أقيم في القاهرة ، وأهلي في الإسكندرية، كنت أزورهم ليوم أو يومين وأرجع إلى أعمالي بسرعة، كانت حياتي الأسرية هادئة، وفي سنة 1982 توفي زوجي، فأثر ذلك علي كثيرا، فقدت الوعي ودخلت في غيبوبة تامة لمدة ستة أيام لا أكل ولا كلام ،كانت الصدمة قوية ، كان هو عالمي، احتار الطبيب في وضعيتي، وقال لي بعدما تعافيت : هذه الحالة نادرا ما تحدث ، والله أبقى على حياتك لحكمة ما، هنا بدأت أفكر في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية، وقد بدأ اهتمامي بالموضوع عند تأليفي لكتاب جاك بيرك وتوضيح أخطاء ترجمته ، وقد استغرقت في ذلك خمس سنوات، ثم راجعته في ثلاث سنوات أحضرت 24 ترجمة للقرآن الكريم لمترجمين سابقين لكنها كانت مملوءة بالأخطاء، كنت أغلق على نفسي ولا أتصل بأحد إلى أن أكملت العمل، حوالي خمسون سنة وأنا أجلس للقراءة والكتابة لمدة خمس عشرة ساعة، إن العمل للإسلام يحتاج إلى التفرغ ، وأي عمل أنجزه لابد أن أقرأ عنه الكثير ، لكي ألم بالموضوع و أفهم مواطن التناقض، وأصل إلى المعاني الصحية .
علماء العصر : تقول : لم تكن لدي علاقات كثيرة ، كان همي كيف أحطم الفاتيكان ، كيف أرد على أباطيله، وحين سألتها عن عائشة عبد الرحمان ، قالت : لم تكن علاقاتنا وطيدة ، التقيتها في بعض الملتقيات ، أما الشيخ الغزالي ، فقد اتصل بي بالهاتف ، وقال لي : أنا أقرأ لك وحاليا أنا مريض ، فأرجو أن ترسلي لي كتابك عن الفاتيكان ، فأخذته وذهبت إلى بيته ، وتحدث معه ، وأهداني بعض كتبه منها : قذائف الحق، الشيخ الغزالي، إنسان محبوب، ولا يخاف في قول الحق لومة لائم ، رحمه الله …أما أحمد الطيب فهو كذلك إنسان محبوب لدى الجميع ، وإنسان شريف وخدوم ، هو الذي أعطاني إجازة بطبع ترجمتي للقرآن الكريم إلى الفرنسية بعد مراجعتها الى جانب أستاذ اخر …
معارك عقدية وفكرية، وتهديد بالقتل : تهديدي بسبب كتاب : الصفحة السوداء للكنيسة ، هددت باتصالين بالهاتف، والثالث اتصل بي هاتفيا وقال سآتي من أجل موضوع يتعلق بالقرآن، اسمه محمود فوزي، وكان حينها صحافيا كبيرا …حين أتى إلى البيت كنت لوحدي فاستقبلته، جلس في مكان يستطيع من خلاله رؤية البيت كله، انتظرت ثلاث دقائق، بقي ساكتا لا يتكلم فبادرت قائلة : أتيت من أجل موضوع يتعلق بالقرآن لكن مرت ثلاث دقائق ولم تتكلم ، فأجابني : أنا بصراحة لم آت لهذا الموضوع، بل أتيت أبلغك رسالة وهي أن تسحبي كتابك الصفحة السوداء للكنيسة، اسحبيه من السوق، فقلت له : أنا مسؤولة عن كل ما جاء فيه ولن أسحب أي كلمة من الذي كتبته .فقال : ستقتلين ، قلت: لن أسحب شيئا مما كتبته ، فأعادها: ستقتلين ،فقلت: أنا أدافع عن ديني ولن أهرب من المعركة ، فقام وخرج فتح الباب بنفسه …بعد أيام أجرى معي واحد من الجزائر حوارا …والكنيسة عرفت أنني مجدة و لا أمزح وانتشر هذا الموضوع ، أنا أعيش في رعاية الله، تقودني نصيحة والدي : قولي ولا تخافي إلا الله، وتكمل الأستاذة : تعرفين أنا أفكر في كتابة موضوع عن العلماء الجبناء ، الذين يخافون من قول الحق ، يخافون من الكنيسة وغيرها…
وجهان لجاك بيرك، هذا الكتاب من الكتب التي انتصرت فيها زينب عبد العزيز على أعداء الإسلام، تقول : لقد كان هذا الرجل خبيثا في ترجمته للقرآن، وله وجهان وجه يظهره في تعامله مع الناس، ومع بعض المفكرين المسلمين، ووجه يخفيه، و هو الوجه الحقيقي الذي يسعى للقضاء على الإسلام، بعدما اطلعت على الكتاب ، ووجدت خبث صاحبه، كتبت تقريرا في ذلك، وقدمته لشيخ الأزهر حينها : جاد الحق جاد، فكوّن لجنة للنظر في حقيقة ما كتبت، وبعد صدور قرار اللجنة، وتأكيدها ما قلت، منع الكتاب من الطبع في مصر مرة أخرى .
ثم حكت لي من مواقفها الجريئة، موضوع :السجادة المكتوب عليها لفظ الجلالة الله، تقول :كنت أتردد على المركز الثقافي الفرنسي في منطقة اسمها المنيرة للاستفادة من الكتب وكانوا يعملون تجديدا للمركز، في يوم من أيام ذهابي إليه رأيت سجادة موضوعة في آخر السلم مكتوب عليها اسم الجلالة ولا يمر أحد إلا ويطأها برجليه بحكم حجمها .. فطلبت مسؤول المركز وقلت له: هذه تزال فورا، فقال لي: هذا للديكور فقط ..وكان هناك زائر من فرنسا يسمع لما يدور بيننا وكان يجيد العربية،فقال له :يجب أن تكون أعمى كي لا ترى ذلك. فأزيلت ووضعت مكانها سجادة أخرى، وكتبت حينها مقالا عن الموضوع ونشر بجريدة الشعب…
ومن المواقف التي تعرضت لها في حياتي ، وخرجت منتصرة أنه حدث في عيد من أعياد الميلاد وأثناء دراستي بالجامعة من 48–62. أن دخل الأستاذ وكان رئيس القسم وكان قبطيا فقال: أهنئ الأمهات وأقصد الأمهات لأولاد شرعيين، وكان ينظر إلي فقلت له : قسما بالله لأدفعنّك الثمن غاليا ..كانت أول مرة أشتم فيها في حياتي.. رجعت إلى البيت وأنا هائجة، وحين أتى زوجي قال لي: اهدئي وسنرد بالقانون، ستكتبين الذي حدث ونرسل الشكوى الى المسؤولين …فأرسلنا ثلاث عشرة نسخة إلى كثير من المسؤولين في الدولة وكان أولهم جمال عبد الناصر ورئيس الجامعة والعميد والمدعي العام ، أرسلناها من مكتب البريد بصيغة مستعجل ويسجل بعلم الوصول . كنت من الداخل قلقة فقال لي لطفي: ستذهبين إلى الجامعة كالعادة وتحضرين المحاضرات، فقبلت لكنني من الداخل كنت رافضة …و في اليوم الثالث من إرسال الشكوى، جاءت إلى الجامعة ثلاث سيارات جيب من قيادة الجيش ونزل منها شخصيات بالزي العسكري أحدهم صدره مرصع بالنياشين، عرفت بعدها أن ذلك للتحقيق في الشكوى وتم توقيف الأستاذ رؤوف كامل، قالوا لي أول مرة تصلنا شكوى جادة وغير مجهولة ضده لأنه كانت تصلنا شكاوى لكنها كانت مجهولة، وكانت توجه له اتهامات أخلاقية، وبعدها بدأت الضغوطات علي من أجل سحب الشكوى، وكان هناك اثنان غيره متهمين أحدهما على ما أذكر ريمون فرنسيس… وأخذ التحقيق في الموضوع ضدهم سنتين أو أكثر، ثم صدر الحكم بالطرد من الجامعة ، ولأن رؤوف كامل كان رئيس القسم الفرنسي فإن المشتغلين بالقسم أخذوا مني موقفا معاديا بسبب هذا الموضوع…
أستاذة زنوبيا : ماذا تعرفين عن الجزائر ؟
تقول : الجزائر تربطني بها علاقة حب كبيرة لا أستطيع وصفها ، كنت دائما مهتمة بما فعلته فرنسا المجرمة من جرائم ضد الجزائريين، وبالمخطط الفرنكفوني الذي لازال يسري بين أبنائها … أنا أحمل للجزائر حبا كبيرا …
حديثي مع الأستاذة، زنوبيا بلا مرافئ لأنه سيستمر ، ولن تكون له نهاية لأنه مع امرأة علمها غزير، بحر بلا مرافئ ، وسنلتقي في العدد القادم من ” آصرة “