حصريا

دور الاسرة في تنمية الإبداع لدى الأطفال . د.فتيحة العسري-الجزائر

0 1٬277

 

دور الاسرة في تنمية الإبداع لدى الأطفال

فتيحة العسري

في ظل الظروف العصيبة التي يعيشها العالم الإسلامي بشكل خاص والعالم بشكل عام، وفي ظل المتغيرات الكبيرة ما يسمى بالعولمة بكل أشكالها الاقتصادية والسياسية والثقافية والتقدم العلمي والحضاري الذي يعيشه العالم والذي يشكل المسلمون منه ثقلاً كبيراً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فهم بحاجة لإعادة البناء الحضاري والإنساني الكبير الذي يتمتعون به من خلال موروثهم الثقافي والديني العظيم وإمكاناتهم الاقتصادية الكبيرة، فلابد من بناء الشخصية الإسلامية بناء صحيحا وتنمية مهاراتها العلمية والعقلية والصحية والثقافية، لكي تصل إلى مستوى الإبداع الذي يجب أن يتمتع به الإنسان المسلم، فكلما نمت لديه مهارة الإبداع نمت معها المهارات الأخرى، ونحن كمسلمين تنبه علماؤنا لذلك منذ زمن طويل، لذلك اعتنوا عناية فائقة بتربية الطفل وتنمية مهاراته العامة ومهارة الإبداع خاصة مستندين بذلك إلى عدة عوامل وأسس، فيبدأ ذلك مع الإنسان منذ ولادته وعلى مراحل نموه حتى يبلغ أشده فيصبح عنصراً فاعلاً مبدعاً منتجاً في مجتمعه وأمته، وبما أن القرآن الكريم هو دستور الأمة في بنائها الإنساني الروحي والمادي، لذلك اعتمد المسلمون في تربيتهم على منهج القرآن الكريم في ذلك فكان له أبلغ الأثر في بناء شخصية المسلم وخصوصا الطفل وتنمية أهم مهاراته المتمثلة بالإبداع والابتكار وحسن التفكر والتدبير، لتقوية قواه الروحية والبدنية، ومن خلال هذا البحث اليسير سأبين بإذن الله تعالى ما يلي:

أولا: أهم العوامل والأسس التي يستند عليها بناء شخصية المسلم ابتداء من طفولته وتنمية مهاراته الضرورية ليكون فرداً صالحاً منتجاً ليساهم في البناء الحضاري للأمة .

وثانياً: بيان أثر التربية الصحيحة والسليمة على مهارة الطفل الإبداعية، وذلك من خلال المنهج القرآني وبيان أثره في بناء شخصية الطفل الإبداعية، راجيا من الله تعالى أن يكون لبنة لبناء الصرح الإسلامي العظيم وإعادة الإبداع والتفوق لأمتنا كما كانت مبدعة بالأمس وقدمت للإنسانية ما لا يخفى على ناظر منصف، والله ولي التوفيق.

يستند بناء شخصية المسلم على أساسين عظيمين تقوم عليها جميع الأسس الأخرى وهما القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.

وقوامها البناء بالتربية، حيث هي التنمية والتنشئة والبناء كما عرفها العلماء وهي في اللغة: من مصـدر الفعـل ( رب ) ومـنه الرب، ويطلق على المالك والسيد والمدبر والمربي والقيم والمنعم والمصلح، ورب الولد رباً رباه تربية وتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه( ابن منضور، 1990م) ، وفي الاصطلاح: فهي إنشاء الشيء حالاً فحال إلى حد التمام” (الأصفهاني، 1990م) ” وعرفها الإمام الغزالي، بقوله ” معنى التربية يشبه فعل الفـلاح الـذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه” (الغزالي،505ه)  ” فالتربية الإسلامية بشكل خاص تقوم على التنشئة وفق الأسس الإسلامية المستوحاة من القرآن الكــريم، الـذي بين لنا كيفية خلق الإنسان والحكمة خلقه، ومن ثم رسم الأسس الكفيلة بتربيته وتنشئته بعد ذلك، ليتحقق الهدف المنشود من خلفه وهو عبادة الله سبحانه وتعالى، حيث يقـول جل شأنه  ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إلاَ لِيعبدون [الذاريات:56] ولا يتحقق هذا إلا بالتربية على كيفــــة العــادة وأسبابها التي تقوم على المعرفة ولا تتأتى المعرفة إلا بالعلم والتعلم وقد رسم له الباري عز وجل منهجاً في أول آيات أنزلها على نبيه ﷺ بنص قوله المبين  ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خلق الإنسان من علق [العلق:1-3]

بهذه الآيات الكريمة رسم الباربي عز وجل منهج الحياة الذي يقوم على العلم والمعرفة والإبداع في كل جوانب الحياة ولهذا العلم والإبداع لدى الإنسان مقوماته وأسسه التي يستند عليها، لينشئ شخصية قويمة سليمة مبدعة تستطيع أن تساهم في بناء صرح الأمة الإسلامية التي قدمت للبشرية الكثير منذ بزوغ فجرنا المبين ببعثة قائدها ومربيها سيد الخلق محمد ﷺ حيث استطاع أن يبني أمة عظيمة تمثلت أولاً ببناء الأفراد من خلال بناء شخصية المسلمين الأوائل من الصحابة رضوان الله عليهم التي أسس من خلالها أمة استطاعت أن تسود الأمم بسنوات معدودة ويبني أجيالا مبدعة فقدمت للبشرية ما يصحح مسيرتها في الحياة وفق منهج إلهي سليم لا يعتريه الضعف ينمي مهارة الإبداع لدى الإنسان ليكتشف بنفسه أسرار نفسه وأسرار الكون من حوله، ليسخر كل ما فيها لخدمته، وذلك ما بينه القرآن الكريم في قوله جل وعلا: ﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا بِالحَقِّ وأجَلٍ مُسَمًّى وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ﴾[الروم:8]

وقوله تعالى: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191] لذلك رسم الإسلام الأسس السليمة التي ستند عليها بناء شخصية المسلم ابتداء من مرحلة الطفولة حتى نهاية حياته، ومن تلك الأسس:

1) تهيـئة البيئة المناسبة لخلق الطفل ويتم ذلك قبل خلقه من خلال اختيار الأم الصالحة، أي الحرث السليم الذي تثبت فيه بذرة الطفل ليخرج طفلا سليما قابلا للتطور والتربية وفق المنهج السليم .

2) المحافظة على الطفل من العوامل والتأثيرات الخارجية الجديدة التي تطرأ عليه بعد أن يخرج إلى الحياة الدنيا: ويتمثل في حمايته من الأمراض والآفات التي تهدد سلامته وحياته .

3)  العلاقـات الطيبة بين الأب والأم وذلك استناداً إلى قول الباري عز وجل ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[الروم:21] لأن ذلك له أثر كبير في بناء شخية الإنسان النفسية والسلوكية والعاطفية لكي يتمكن من التكيف مع البيئة التي يعيش فيها.

4 ) المحافظة على حقوق الطفل الأساسية، فإذا أردنا أن نبني شخصية سليمة قادرة على الإبداع وماصلة التقدم والحياة بسلامة لا بد من المحافظة على حقوق الطفل المتمثلة بما يلي:

أ. اختيار الأم الصالحة والأب الصالح لأن صلاحهما يؤدي إلى صلاحه بدنياً وعقلياً وأخلاقياً وسلوكياً ونفسياً، فيقول الرسول الكريم ﷺ: ( اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس ).

ب . المحافظـة على الطفل من الأمراض الوراثية وهذا الحق مستند إلى الحق السابق حيث يتم ذلك من خلال اختيار الأم والأب السليمين من تلك الأمراض الوراثية ومحاولة التحقق من ذلك قبل أن يرتبطا، ليأتي الطفل إلى الدنيا سليماً من ذلك.

  1. تحصين الطفل من خلال السنن التي أكد عليها الرسول الكريم ﷺ والتي تبدأ من أول ولوج الطفل إلى الدنيا، ومنها التأذين بأذنه اليمين والإقامة بأذنه اليسرى، وحلق شعره والعق عنه وغيرها مما تحصن الطفل من آفات الحياة.

جـ. الرضاعة الطبيعة وتلك من أهم الأسس والحقوق التي يقوم عليها بناء شخصية الطفل مـن خـلال بــناء جسمه، وقد أكد على ذلك الباري عز وجل بقوله: ﴿وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ….[البقرة:233]   وذلك لبناء جسم الطفل بشكل سليم وتحصينه من الأمراض حيث يمنحه حليب الأم مناعة ضد جميع الأمراض.

د. التعليم والتنشـئة السليمة وذلك من خلال تعليم الطفل وتوجيهه بشكل صحيح وسـليم إلى العـلم والمعرفة وحسن المعاملة والكلام و الأدب والحياء وغيرها مما يقوم شخصيته ليكون سـليماً معــافي عقلياً وسلوكياً قادراً على الإبداع والارتقاء بنفسه وأمته إلى مستوى الطموح الذي ينشده الإسلام لأمته.

5: المحافظة على بناء الأسرة وتهيئة مستلزمات العيش لأفرادها: وذلـك لكون الأسرة هي الحاضن الرئيسي والحقيقي للإنسان منذ طفولته حتى وفاته ففيها يجد الـطـفـل الـرعاية والمحبة وما يحتاجه من سبل العيش كالمأكل والمسكن والملبس التي أوجب الله سبحانه وتعـالى على رب الأسرة أن يؤمنها لأفراد أسرته جميعاً من خلال الإنفاق على أولاده وزوجته حيث يقول تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ….[البقرة:233]

هـذا أمر إلهي يوجب فيه الباري عز وجل على الأب أن ينفق على زوجته وأولاده وأي تفريط به يوجب إثماً كبيراً حيث يقول ﷺ ( كفى بالمرء إنما أن يحبس عمن يملك قوته ) [صحيح مسلم:ج2،ص692]. كمـا بـين فضل النفقة على الأهل فقال: ( دينار في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبه، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك ) [ صحيح مسلم:ج2، ص692]وهـذا دليل على أن الإنفاق على الأهل أعظم من الإنفاق في سبيل الله وغيره، لما له من المحافظة عـلى الأهل والعيال من العوز الذي يؤدي إلى سلبيات كثيرة وكبيرة في بناء الأسرة وشخصية أفرادها وخصوصاً الأولاد الذين هم معين الأسرة المسلمة، وقد أولى الإسلام ذلك اهتماماً عظيماً لأهميـــــه الـكـبرى في بناء شخصية الفرد والمجتمع فلو نظرنا اليوم في واقع الكثير من الدول في الشرق والغرب لوجدنا أن أكثر المشاكل الاجتماعية ومشاكل الأسرة والشباب ترجع إلى تخلي الآبـاء عـن مسؤولياتهم في تأمين النفقة مما ينشئ عنه أطفال منحرفين وغير قادرين على الإبداع أو تقديم شئ لمجتمعهم وهذه الآفة مع الأسف دخلت إلى مجتمعنا الإسلامي بعـد تـخـلي البعض عن مسؤولياتهم الدينية تجاه أسرهم، هذه بعض العوامل والأسس المادية يقوم عليها بناء شخصية المسلم، وهي مقدمة على العوامل المعنوية لأن الاستقرار يبدأ من هذه العوامل وبالتالي يأتي دور العوامل المعنوية والتي تتمثل فيما يلي:

أولاً: التربية الأسرية السليمة:

الأسرة بجميع أفرادها بحاجة إلى سبل العيش ومستلزمات الحياة المادية وهي بحاجة أكبر إلى مستلزمات الاستقرار المعنوي ابتداء من الأبوين إلى الأولاد ومن ثم إلى المجتمع، فالأب في الأسرة يجـب أن يكون المربي والموجه لأفراد أسرته بحيث ينظر إليه كل فرد من أفرادها على أنه الراعي والقدوة لهم ومحل احترامهم وإجلالهم وهيبتهم وذلك ليس تسلطاً أو دكتاتورية كما يرى البعض بل هو لأجل اتزان الأسرة وانضباط أفرادها واستقرارها، والأم كذلك يجب أن تضطلع بدورها ومسئولياتها في الأسرة إذ هي صاحبة الدور الأعظم والأكبر فيها فهي المربية والمعلمة والحاضنة للأسرة كلها .لذلك كرمها الله سبحانه وتعالى فقدمها على الأب، وأكد على الوصية بها بنص قوله جل شأنه:

  ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ

الْمَصِيرُ [ لقمان:14]

الثاني: الترابط الأسري: يعـد من أهم العوامل المعنوية في تكوين الطفل النفسي والاجتماعي خلال سنيه الأولى، حيث يكتسب معظم الأنماط السلوكية والطباع من أبويه الذي يعيش معهما وخصوصاً أمه التي تلازمه في تربيته فهو يكتسب منها اللغة والمعرفة التي تتطور مع نموه وتطوره وتنمي روح الإبداع لديه ولمـا لطبيعة الأم في الأسرة فهي تسهم بدور كبير في تكوين التعاطف بين الأخوة والتعاون فيما بينهم وترس الأخلاق الاجتماعية لدى الطفل، فهو صفحة بيضاء تستطيع الأم أن تنقش عليها ما تشاء وخصوصاً في سنيه الأولى.

الثالث: الاصلاح الأخلاقي: يعد من أهم الأسس التي يقوم عليها بناء شخصية الطفل فهو مرآة يعكس ما يكــون أمامه، وأخلاقه هي انعكاس لأخلاق والديه، وخصوصاً الأم فهي أمامه دائماً تحاكـــــيه بتصرفاتها وأخلاقها حيث تعيش معظم وقتها معه، فإذا عودت طفلها على سماع الكلمة الطيــبة وكرهته في الكلمة الخبيثة ورست فيه الأخلاق الحميدة كالصدق والأمانة والوفاء وحب الآخرين، وهذا في سنين عمره الأولى يكون راسخاً فيه حيث يقول القول المأثور التعلم في الصغر كالنقش في الحجر، لثباته في نفس الطفل، وعقله وتصرفاته فكلما استقام الطفل ازداد مستوى – الإبداع الفكري والعقلي لديه، وآتت تلك الأخلاق ثمارها الطيبة المرجوة منها. وهـذا الدور للأم والأب في توجيه أخلاق الطفل إلى صلاح المجتمع وإشاعة الفضيلة فيه ويقول الشاعر :       إنما الأمم الأخلاق ما بقيت      فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وقد حظيت الأمة الإسلامية بالمكانة التي عرفت بها لقرون طويلة بسبب تلك الأخلاق العظيمة التي عليها المسلمون.

الرابع: الأساس الرابع في بناء شخصية المسلم هو الإصلاح والتغيير الاجتماعي: فالأسـرة هـي القاعدة الأساسية في بناء الأمة ومنها يبدأ الإصلاح والتغيير ويمتد إلى الأمة كلها وذلـك من خلال بناء شخصية كل فرد في الأسرة والانطلاق منها وإلى المجتمع بأسره، فأول ما جـاء بـه رسوال الله ﷺ من هدي أمره الله تعالى أن يبدأ فيه بأهله فقال: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[الشعراء:214]

وقال ﷺ: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) [بن قدامة،1405]، فحين يصلح الأبوان يكونا السبب في صلاح أطفالها وبالتالي تكون الأسرة نواة التغيير الاجتماعي نحو الأفضل والأحسن فإصلاح النفس أول طريق لصلاح المجتمع فقول الباري عز وجل : ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

هذه بعض الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها بناء شخصية المسلم منذ طفولته حتى كبره من أجلـه بناء المجتمع المسلم بناء صحيحاً وسليماً في ظل العولمة المادية والمعنوية التي يشهدها العالم.

أثر التربية الصحيحة والسليمة على مهارة الطفل الإبداعية

تستند التربية الصحيحة في جوهرها في الإسلام على القرآن الكريم الذي يمثل دستور البشرية ومنهاج حياتها وصلاحها إن أرادت الهناء في الدنيا والنجاة في الآخرة، وتمثل سنة رسول الله ﷺ المترجمة والمبينة بهذا الدستور العظيم حيث كان الحبيب ﷺ خلقه القرآن، وهذا جوهر رسالته العظيمة ومهمته الجسيمة التي اضطلع بها بأمانة وتضحية وتفان ممتثلاً لأمره سبحانه وتعالى بقوله: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ؟ وقد بين القرآن الكريم أن المعين الذي ينهض البشرية بالحياة هو الطفل إذ أن كل إنسان يمر بمرحلة الطفولـة فجعل رسول الله ﷺ جل اهتمامه بالطفولة فكانت عنايته وتوجيهه نحو تنمية الإبداع لدى الطفل منهجاً في التربية والحياة راسماً للبشرية وللمربين سبيل بناء حياة الأجيال. فالأطفـال زهـرة الحياة الدنيا وصلاحها من صلاحهم، واستمرارها يقوم على إبداعهم يقول الباري عز وجل ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ [الكهف:46] فهم جمال الأسرة وبذرة بقاء الـنوع الإنسـان فإذا صلحت البذرة صلح المجتمع وكلما صلحت تربيتهم كلما ساهم في تنمية الحس الإبداعي لديهم وإلى نشأ الطفل صالحاً واعياً طموحاً مبدعاً استمر ذلك معه طوال حياته لذلك لا بد من تربيتهم وفق منهج القرآن الكريم وحثهم على الإبداع وكل ما يؤدي إليه والتربية القرآنية تبدأ مع الطفل منذ ولوجه الدنيا ويتم ذلك من خلال الأسرة كما بينا سابقاً. أثبـت القرآن الكريم حقوقاً للطفل بينت بعضها في المحور السابق تعد لبنة أساسية في بناء الطفل العقـلي والنفسـي والسايكولوجي، حيث العقل السليم في الجسم السليم،

يعد الإبداع عند الأطفال من الأمور المهمة التي أصبحت تتلقى اهتماماً بالغاً وخصوصاً في الآونة الأخيرة؛ وذلك يرجع إلى أن مرحلة الطفولة تعد من المراحل الحاسمة في حياة الطفل؛ في هذه المرحلة يتم تحديد السمات الشخصية للطفل من (سنتين إلى 6سنوات) وتظهر فيها مهارات الطفل وقدراته ولذلك تعد الأسرة من أهم العوامل التي يتأثر بها الطفل في بداية حياته، وهي أول مجتمع يتفاعل معه الطفل، وتتميز مرحلة الطفولة بطابع خاص يجعلها مميزة عن باقي المراحل الأخرى من مراحل النمو الإنساني، كما تسمى هذه المرحلة بعمر الإبداع والإبتكار، في هذه المرحلة يظهر جانب كبير من قدراتهم الإبداعية والخيالية. ويتميزون بإمتالك القدرة على الخيال  والإبتكار (محمد، 1991م).كما أظهرت دراسة أجرتها وكالة ناسا لعلوم الفضاء، وجدوا أن نسبة الإبداع عند الأطفال بعمر خمس سنوات، تبلغ 90%، لكنها تقل إلى 30% في سبع سنوات بسبب الدخول إلى المدرسة وفقدان الحرية و10% إذا بلغوا سن العاشرة، واكتشفوا أن نسبة الإبداع تظل تقل وتنقص كلما تقدمنا في العمر. كم تتوقعون نسبة الإبداع التي وجدوها عند من هم في الحادية والثلاثين من العمر؟ نسبة مفاجئة للغاية! 02%.

تختلف العوامل والمؤثرات التي تحيط بالطفل ويتأثر بها خلال مراحلة العمرية فهو يختلط بالأسرة أولًا كونها هي المجتمع الأول الذي يقابله في بداية حياته ثم ينتقل بعد ذلك إلى مرحلة رياض الأطفال فجمعيها مؤسسات تربوية مكملة لبعضها البعض وتسعى إلى تنمية قدرات الطفل وتحفيز إبداعاته ومواهبة حتى تظهر وتتنمى ولا تندثر، ولكن من المهم أن نشير إلى أن الأسرة تعد هي النواة الأولى التي يقابلها الطفل والتي تعمل بدورها على رعاية الطفل والاهتمام به، ويعد الاهتمام به  خصوصاً في مراحل عمره الأولى من الأمور الحاسمة والمهمة ويرجع ذلك إلى أنها مرحلة هامة لتنمية قدرات الطفل وإبداعاته، لأن الإبداع غالباً ما تظهر دالالته الأولى على الطفل في هذه المرحلة وفي السنوات الخمس الأولى منها على وجهة الخصوص مما يؤكد على أهمية دور الأسرة في تنمية الإبداع عند الطفل وهذا ما سنتطرق له في هذا البحث.

البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الفرد وينمو فيه وفق نظام اجتماعي معين، وأن أول ما يؤثر في الفرد أسرته، و لذلك تعد الأسرة هي النواة المهمة في المجتمع، وهي من أهم العوامل التي تساعد على تنمية الإبداع عند الطفل، والأسرة هي التي تحتضن الطفل منذ الوالدة وقد تؤثر بشكل إيجابي في تنمية الإبداع لديه أو قد تكون هي التي تعيق إبداع الطفل.

ما هي منطلقات التربية الإبداعية للأطفال؟ وكيف تتم تنمية الإبداع عند الأطفال؟

استراتيجيات تربية الإبداع عند الأطفال تقوم على العديد من المنطلقات والمسلمات كما أوضحت الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة عام 1988، وسنذكر من هذه المنطلقات النقاط الآتية:

.1 عدم الشك للحظة واحدة أنّ الإبداع موجود لدى طفل وغير موجود لدى طفل آخر، فكل طفل يمتلك قدرة على الابتكار والتفكير، وعلى الرغم من اختلاف هذه القدرة وتفاوتها إلا أنها موجودة.

  1. الإبداع قد يظهر في جانب أو مجال واحد عند الطفل، وعلينا بصفتنا مربين اكتشافه.
  2. مسؤولية تطوير وتنمية القدرات الإبداعية عند الأطفال لا يتحملها طرف ولا تقع على عاتق جهة دون أخرى، فالكل مسؤولون بدءاً من الأهل إلى الروضة ثم المدرسة، فهذه العملية متصلة ومستمرة ولا ترتبط بمرحلة دون غيرها.

4 . السلوك الإبداعي المثمر ليس حصيلة لجهد فردي أو استعداد وراثي فطري فقط؛ بل هو تتويج لجهود العديد من العوامل والظروف.

  1. علينا أن ندرك جيداً أنّ الإبداع هو مهارة عقلية، ومن ثم فإنّ إمكانية تحسينها وتطوريها بتدريب الطفل وتشجيعه أمر مفروغ منه.
  2. إذا أردنا الاهتمام بالجانب الإبداعي لدى أطفالنا الكنز الحقيقي لأي بلد، يجب على مسؤوليه الاهتمام بشكل جدي بقطاع التعليم من مناهج وطرائق تدريس وكوادر.

تنمية وتطوير الإبداع والتفكير الإبداعي عند الأطفال:

يمكن تشجيع الأطفال ومساعدتهم على تطوير وتنمية الإبداع والتفكير الإبداعي لديهم، فالنشاط الإبداعي مثله مثل أي سلوك إنساني آخر يمكن عده مهارة مكتسبة، ومن ثم يمكن تحقيق ذلك من خلال النقاط الآتية:

  1. إبعاد الأطفال عن كل ما يعوق تفكيرهم ويقف في وجه سيل الأفكار: الذي يجتاحهم من انفعالات ناتجة عن القلق والخوف من رد فعل الأهل عن أفعالهم وأفكارهم، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أفكارهم، وهذا بالضبط ما يؤدي للوصول إلى أفكار متميزة بالأصالة، فهي نادرة وغريبة ولكنّها مقبولة ومبتكرة.
  2. تحفيز الأطفال على التفكير: من خلال توجيههم في أثناء طرحهم للأسئلة، فالمعروف أن الأطفال يسألون كثيراً ومن الخطأ أن نعطيهم مباشرةً إجابات أو حلولاً دون تحريضهم ومساعدتهم على تقديم الأدوات اللازمة لإيجاد الحل بأنفسهم.
  3. تعويد الأطفال على أن الأفكار مرنة وليست جامدة: ويتم تحقيق ذلك للطفل من خلال مشاركته بألعاب مختلفة فردية وجماعية تتطلب منه انتباهاً وتذكراً وتصوراً وغيرها من العمليات العقلية التي تحتّمها المرونة.
  4. من أهم النقاط التي يجب مراعاتها والتي لها دور كبير في تطوير وتنمية الإبداع عند الأطفال: هي السماح لهم بالتجريب والتعبير عن أفكارهم ومساعدتهم للوصول إلى النتائج التي يريدونها.
  5. البدء مبكراً في عملية تربية الطفل وتعليمه وتدريبه: إذ يكون الجهاز العصبي عند الأطفال مرناً وطرياً ومستعداً لتقبل أية معلومات.
  6. تنمية حساسية الأطفال تجاه المشكلات من خلال تعريضهم لمواقف إشكالية ونشاطات صعبة وتحفيزهم لإيجاد حل لها: ويمكن إعطاء مثال لمساعدتكم على هذه النقطة، فبعد وجود استعداد لدى طفلك للرسم، واجهه بمشكلة عدم وجود ورقة مثلاً أو قلم، ففي هذه الحالة سيبحث الطفل عن الحلول الممكنة أمامه، وهذا ما يدفعه للتفكير بطريقة مبتكرة، …

ثالثاً: دور كل من الأسرة والمدرسة في تنمية الإبداع عند الطفل

الأسرة هي الحاضن الأول للطفل، وتؤدي هذه الأسرة وظروفها والعوامل المؤثرة بها دوراً كبيراً في تنمية الإبداع عند الأطفال، ويمكن أن نقول باختصار يجب على الأسرة حتى تسهم في تطوير الإبداع أن تمتلك العناصر الآتية:

 

  1. 1. تتوفر فيها الأدوات الثقافية المشجعة على التفوق والإبداع من مثيرات لغوية وفكرية واجتماعية.
  2. تقوية الروابط الأسرية واعتماد الحوار والنقاش بوصفهما أسلوباً للتربية داخل الأسرة.
  3. الابتعاد الكامل عن وسائل التربية القسرية القائمة على العنف والتسلط والقهر والتمييز وتنميط الدور الجنسي.
  4. الاعتماد الكبير على التعليم غير المباشر من خلال استغلال الأحداث ومجريات الحياة اليومية لتحقيق ذلك.

بالنسبة إلى الروضة والمدرسة فإنّ الدور الذي يقومان به ليس بأقل أهمية على الإطلاق من دور الأسرة، فعلى عاتقهما تقع مسؤولية تنمية وتطوير وصقل قدرات وطاقة الأطفال الإبداعية، ولتحقيق ذلك يمكننا تحديد العوامل والظروف المدرسية المشجعة على الإبداع بالنقاط الآتية:

  1. 1. تهيئة المناخ المدرسي المشجع على الإبداع بحيث يصبح إبداع كل طفل حدثاً ذا قيمة، وبناءً على ذلك يجب أن تتضافر جميع الجهود في المدرسة لاستثارة إمكانات الأطفال وقدراتهم الإبداعية.
  2. العمل على جعل بيئة المدرسة والروضة غنية بالمثيرات الحسية منها والخبرات؛ لأنّ ذلك يساعد على تنمية المهارات الإبداعية عند الأطفال.
  3. استخدام طرائق التعليم المحفزة والمشجعة على الإبداع بوصفها طرائق عصف ذهني وتقص وحل

المشكلات.

  1. 4. اختيار المعلمين مبدعين ممن لديهم القدرة على التعامل والتعاطي مع الأطفال لتفجير طاقاتهم الإبداعية.

5 . توفير بيئة انفعالية مناسبة للأطفال عن طريق احترامهم وتقدير تساؤلاتهم وعدم السخرية منهم.

  1. تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وخيالهم بالرسم والتمثيل والرياضة وغيرها من النشاطات.
  2. الابتعاد عن الجمود في طرح الأسئلة الامتحانية والاعتماد على توجيه أسئلة مفتوحة للأطفال لحثهم على البحث والتفكير المرن، فكم مرة استغربنا من بعض المعلمين حذف درجات لأطفالنا بسبب تقديم إجابات غير مطابقة للإجابة الموجودة في الكتاب على الرغم من منطقية أجوبتهم؟ هذا ما يقتل روح الإبداع لدى الأطفال.

الخاتمة

بعد هذا البحث المتواضع في كيفية تربية وتنشئة الطفل المسلم المبدع وغير المبدع لتنمية مهاراته كافة وتحفيزه على الإبداع والابتكار والتفوق ليكون عنصراً صالحاً في بناء مجتمعه وأمته، تبرز لنا

بعض الوصايا التي لا بد من التذكير بها ومنها ما يلي:

  • لا بد من الاهتمام بتربية الطفل المسلم ورعايته منذ ولادته وفق ما وجه إليه الباري عز وجل في كتابه الكريم، وما ترجمه لنا الرسول ﷺ في سنته الشريفة وممارساته في تربية أطفاله ومن حوله من أطفال المسلمين
  •  لا بد من الاهتمام والتركيز على حث الطفل على التفكير الإبداعي من خلال التفاعل معه مـن قـل الأسرة و تحفيز ملكة الإبداع و الاكتساب والمعرفة لديه وتهيئة البيئة الصالحة له في المجتمع المسلم على طول مراحل حياته
  • لا بد من الاهتمام بمناهج التعليم والتربية وإعداد الخطط الدراسية المناسبة في تنمية الإبداع لدى الأطفال في مراحل دراستهم المختلفة لرفع المستوى العلمي والنفسي والأخلاقي لديهم
  • تشجيع الأطفال على المنافسة والتفكير السليم ومحاولة معرفة الأشياء والتفوق العلمي من خـلال الحوافز التشجيعية المعنوية كالثناء والمحبة والتعامل برق ولين معهم، أو الحوافز المادية من خلال التكريم المادي والهدايا التشجيعية كلما أبدع الطفل وقدم جديداً
  • توفير الوسائل التي تساعد الطفل على الإبداع كالألعاب والقصص والكتب وما يثير تفكير الطفل ويحفز حب الاطلاع والمعرفة لديه، وتوفير بعض وسائل البحث الحديثة حين يصبح قادر على التعامل معها
  • الانتباه من قبل الأسرة والمربين إلى سلوكهم في التربية مع الأطفال من ضبط اللسان وعدم الانفعال والتصرف بتصرفات خاطئة أمام الأطفال لأنهم قدوة لهم.
  • تشجيع الطفل على التميز والتفوق من خلال نسبته الصفات الإبداعية والتفوق له ونعته بها نحـو أنـت ذكـي، وأنت شاطر، وأنت عبقري، وأنت متفوق، وغيرها من صفات المبدعين والموهوبين لكي ينمو في نفسه الشعور والحافز نحو الإبداع والتفوق .
  • محاولـة اكتشاف مواهب الطفل وتنمية الأهم منها وتشجيعه على الإبداع فيما له مقدرة وموهــة فـيه، حيث أن لكل طفل موهبة قد يغفل عنها الأبوان فتخبوا عند الطفل إن لم تدعم و تنمي لديه وبذلك يفقد الطفل القدرة على الإبداع
  • التأهـل العـلمي للطفـل: وذلك بتوفير وسائل المعرفة المتاحة وتوجيه الطفل نحو موهبته وتنميـــنها علمــاً مـن خلال مشورة أصحاب الخبرات من المربين والتربويين، لتنموا فيه روح الإبداع و إبراز الكامن من قدراته على ذلك
  • التعاون فيما بين البيت والمدرسة: بتزويدها بالمعلومات التي تتعلق بالطفل نحو مواهبه و إمكاناتـه ونوازعه ورغباته من قبل الوالدين والاستعانة بالمدرسة وخبرات أساتذتها في خلق جو مـن الــتعاون البـنـاء والمستمر لرعاية الأطفال ورعاية مواهبهم وإبداعاتهم وحثهم على التفوق العلمي والعقلي والأخلاقي في الأسرة والمدرسة والمجتمع .
  • الاهتمام بهوايات الأطفال لأن هواية كل طفل ورغبته نابعة من شعوره بمحبة تلك الهواية وخصوصـاً الهوايـات العلمية والرياضية والعقلية والمحافظة على شعورهم بالقدرة على التفوق والإبداع فيما يرونه قريباً من نفوسهم، وعدم احباط تلك المشاعر لديهم .
  •  لا بـد مـن المحافظة على أطفال المسلمين من قبل أولياء أمور المسلمين والقائمين عليهم والحرص عـلى توفير الأجواء المناسبة والصحية لتنشئة أجيال سليمة من كل الآفات والجهل والتخلف، وتهيئة الإعلام المناسب والنظيف من كل المؤثرات السلبية في تربية الأطفال، وتقديم الــــرامج التربوية الخاصـة بالأطفـال التي تحثهم على التفوق والإبداع والالتزام بكل الأسس الأخلاقية والدينية التي رسمها لنا الباري عز وجل في كتابه الكريم وخطه لنا واضحاً جلياً سيدنا

وقدوتنا ومربينا محمد ﷺ ..

هذا ونسأل الله عز وجل أن يحفظ أبناءنا وأهلنا وأمتنا التي فيها عزنا ورفعتنا، وأن يمكننا من أن نرسم الطريق الواضح لأجيالنا القادمة وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.

والحمد لله رب العالمين .

 

المراجع

  1. ابن منظور، محمد بن مکرم، لسان العرب ، دار صادر بيروت، ط1، 1990م، ج 1، ص 401.

2 . الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن، تحقيق محمد الداية والمناوي، دار الفكر، بيروت، ط1،  1990م ص ١٥٢.

3 . الغزالي، محمد بن محمد أبو حامد، رسالة أيها الولد، مكتبة الجندي، مصر، ص 171.

  1. 4. مسلم، صحیح مسلم، ج2، ص692. باب فضل النفقة على العيال.

5.البخاري جه باب من أحق الناس بحسن الصحبة ص 2777 ومسلم ج4، ص 1974 وغيرها.

  1. سورة البقرة، الآية ٢٣٣. 15. محمد عقلة ومصطفى أحمد، دراسات في نظام الأسرة في الإسلام، ص183.
  2. 7. عبد الله بن أحمد بن قدامة الأندلسي، المغني، ط1، بيروت، دار الفكر، 1405هـ، ج6، ص56.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

You cannot copy content of this page